الشاعر عادل صابر يكتب في مقال المسموح والممنوع فى كتابة فن الواو والموال،والأخطاء التى يقع فيها بعض الشعراء


بعدما كثر عدد الشعراء الذين يكتبون الواو والموّال واصبحوا من كل حدب ينسلون واختلط الحابل بالنابل ،كثرت اخطاءهم بكثرة عددهم فقد استسهل البعض كتابة هذه الفنون القولية العظيمة ، فيتخيل الشاعر منهم أنه ماأسهل أن يأتى بأربع شطرات ليصبح بهم شاعر واو أو موال ، وهو لايدرك ان لهذه الفنون قواعدها وأصولها وسرها الدفين ونكهتها وروحها التى لايملكها إلا القليلون ، واسمحوا لى أعمامى وشعراءنا الكبار أن اتكلم عن بعض من هذه الأخطاء التى يقع فيها الكثير من الشعراء المحدثين فى هذه الفنون القديمة الضاربة بجذورها فى أرض الحنوب السمراء كوجوه ابناءها العظماء .
أولاً : الأخطاء التى يقع فيها بعض شعراء الواو والموّال :-
*************************************
1- تفكك وتناقض وتباعد أركان الواو والموال ، وهذا يجعل المربع أو الموال يفقد وحدته العضوية فيصبح متناقضا مهترئاً لايحمل القيمة الأدبية المرتقبة ولايؤدى الى المعنى المنشود الذى انتظره المتلقى من الشاعر ، وكانت حصيلته صفراً بعد قراءة او سماع النص الأدبى فيكون الشاعر فى وادٍ والمتلقى فى وادٍ آخر، فمن المعروف لدى الجماعة الشعبية ان النص الادبى للواو والموال يتكون من العتب والطرح والشد والصيد ، فنجد الشاعر يخرق هذه القواعد بجهالة ويصنع مسافة كبيرة بين اركان النص الأدبى ،فلايستطيع المتلقى الربط بين الاركان الاربعة فيضيع النص بتفكك الأركان ولايجنى المتلقى سوى حطام موال أو واو يابس مهشَّم ، كان من الممكن ان ننفخ فيهما روح الخََضَار .فلابد من الشاعر ان يحافظ بقدر الإمكان على الوحدة العضوية للنص وإلا سيصبح هشيماً تذروه الرياح.
2- الصورة الشعرية الفاشلة :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة الشعريةالفاشلة فى النص الأدبى للواو والموال تنقسم الى نوعين ، أولهما الصورة الشعرية العكسية ، وفيها ياتى الشاعر بصورة متناقضة مع الواقع المجتمعى الذى يعيشه والمسَلَّم به فى التركيبة الاجتماعية للناس والمجتمع المحيط به ، أو متناقضة مع الظواهر والمسلّمات الكونية وحياة وطبائع الكائنات المعروفة لديها بكل شيمها ونواقصها وايجابياتها ، من وفاء ومكر وخيانة وطيبة وخير وجمال وتقلُّب من حال الى الى حال ، وكنت أود ان اضرب بعض الأمثلة للصورة الشعرية الفاشلة التى قرأتها لكثير من الشعراء والتى اردت ان أدعِّم بها ماأقول ولكن لاأريد ان احدث بللاً وإحراجاً لبعض اصدقائى من الشعراء ، ولكن كل ماأود أن اطرحه هو تجنب الصورة الشعرية الفاشلة التى تقع تحت هذا البند ، أما النوع الثانى من الصورة الفاشلة وهى وجهة نظر خاصة بى ، وهى الصورة الطلسمية الغامضة التى يستعصى ذهن المتلقى عن استيعابها مهما أوتى من عبقرية الفهم ، وهى الصورة اللغوريتماتية المبهمة ، وقد انقسم الشعراء هنا على مستوى القصيدة وليس الفن الشعبى الى فريقين : الفريق الأول يرى النزول الى ذهن المتلقى وإشباع تطلعه الروحى للشعر بالوضوح فى النص وأن يبتعدوا عن الصور الغامضة حتى لانرهق ذهن المتلقى ويحظى بالتشبع الذهنى للقصيدة بسرعة وبدون جهد يُذكر ، أما الفريق الثانى للشعراء فقد ذهب ان النجاح فى الغموض ، ولابد ان نرقى بالمتلقى ونرتقى بفهمه وثقافته ويبذل أقصى جهده للفهم والإستيعاب ، ولاذنب للشاعر فى عدم فهم المتلقى أو بلادته ، وهذا النوع من الشعراء يريد ان يخرج المتلقى من المعتاد والمكرر إلى الجديد والمستنير من النصوص الادبية . وهناك من يرى ان يطبَّق هذا الاتجاه على النصوص الشعبية كالواو والموّال ، وأن نرتقى بالجماعة الشعبية الى التجديد فى كتابة وسماع النصوص الشعبية ، وكلٌُ له منهاجه الذى يتمسك به ، أما انا فمع الوسطية رحمة بالمتلقى ، فلاانا مع الطلسمية رحمة بالمتلقى البسيط الشعبى ، ولا أنا مع المباشرة والسطحية رحمة بالمتلقى المثقف الذى يبحث عن التجديد .
3- القفلة المتكلفة :-
ــــــــــــــــــــــــــــــ
القفلة المتكلِّفة المفتعلة من الاخطاء التى يقع فيها شاعر الواو والموّال ،فنجد الشاعر يستخدم الفذلكة الغريبة للمفردات ،فيأتى بقفلات مزدحمة مستعصية لاتروق للمتلقى ولاتخدم النص الشعبى بل تنتقص من القيمة الأدبية للنص ، فمثلا قد يدمج بعض المفردات التى لاتمت الى بعضها فى اللغة أو قد يستخدم مفردات فصحى شديدة الفصاحة وغير متداولة ليخدم بها جناسه التام رغماً عن أنف المفردة والمتلقى فى نفس الوقت ، هذا المتلقى الذى قد يعجب بالموال أو مربع الواو ولكنه يُصدَم فى النهاية بقفلات مفتعلة ميتة تفقد الموال عنصر التشويق والمواصلة فلايُكتَب له النجاح فى ذهن المتلقى مهما كانت قيمته الأدبية .
4- المقفول والمفتوح من الواو والموال:-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انقسم الشعراء فى هذا الشأن الى فريقين : الفريق الأول يرى ان الواو أو الموال لابد ان يكون مقفولاً وان مهارة الشاعر تظهرها مغاليقه ، فيشحذ الشاعر ذهنه ويبات على اعتاب المفردات وهو يتوسل ويتسول منها الجناس التام ليصبح من الماهرين فى كتابته ، وبعد ان تحن عليه يد المفردات بجناس تام يتوسل للمعانى ان تحن عليه حتى لايفقد العمل الأدبى مضامينه ، وكلما سد طاقة انفتح له باب كما يقولون ، وهذا الفريق يرى ان لايصبح الواو واواً ولا الموال موالاً إلا ‘ذا كان مغلقا وله قفلات يلقيها فى حجر المتلقى ليفكها ، أما الفريق الثانى فيرى أنه لافرق بين المقفول او المفتوح ولكن كل همه ان تصل الفكرة والنص بكل معناه وآلياته الى ذهن المتلقى ويستمتع بقيمته الأدبية ويطرح له فكرة جديدة ومعنى عميق يشبع به رغباته الروحية ويرى هذا الفريق ان النص المفتوح اكثر خلوداً واطول عمراً من النص المقفول ، لأنه سهل الحفظ ، سلس القراءة ، سريع الإيقاع فى ذهن المتلقى ، ويستشهدون بمؤسس هذا الفن سيدنا احمد بن عروس الذى لم يقل مربعا مقفولاً فى مربعاته التى جاءت الينا بالتواتر وبعض المخطوطات القديمة ، بل احيانا كان لايستخدم إلا حروف الروي فقط فى نهاية مربعه ، ومع ذلك كان مربعه هو الاكثر خلوداً فى كل ماقيل من مربعات ، وصار مثلاً يحتذى به لشعراء الواو وقواليه المحدثين ، ولذلك كان لزاماً علينا ان نكتب النوعين من الواو والموال حتى لايتهمنا أحد بالعجز والتقصير ، فكتبت ديوان ( بحر الدميرة) مواويل رباعية مقفولة ، وكتبت ديوان ( المشى فى القيلة) مواويل مفتوحة ، أماعن الواو فكان ديوانى الأول ( موال الليل والصبر) خليط مابين المقفول والمفتوح ، وديوان واو مقفول تحت الطبع بعنوان(النخل والطيّاب) ، وكان كل همى فى كل مااكتب هو توصيل فكرتى للمتلقى بأى شكل من الاشكال الأدبية .
*************************************
المسموح به فى كتابة الواو والموّال:-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- توظيف الأمثال الشعبية :-
لشاعر الواو والموّال الحق فى توظيف المثل الشعبى فى النص الأدبى الخاص به لتوصيل المعنى المراد، فالمثل الشعبى ليس ملكاً ولا حكراً على أحد ولكنه ملك الجماعة الشعبية بأسرها والشاعر نفسه يُعَد واحدا من تلك الجماعة فله مالها وعليه ماعليها ، ومن مهارة القوال او الشاعر الشعبى الإنغماس مع جماعته الشعبية واختزال كل مالديها من أمثال ومقولات ليختزلها فى نصه الأدبى مهما كان شكله ، سواء مربع أو موال ولا ضير فى ذلك ، بل يحسب له ذلك ويقوى من نصوصه الأدبية الشعبية .
2- العبارات الشعبية المتداوله :-
هناك عبارات وتيمات شعبية متفق عليها يتداولها الناس وهى كثيرة ، ( كل حى ونصيبه) ( النصيب غلاب)(مايصينا غير المقدر) (وعد ومكتوب علينا ) (ياشقاوتك ياحى) ( الحى بيقاتل) (دنيا كدابة) (مسيرها تتعدّل) (بس الصبر) (العمر مين ضمنه) (ربنا كبير) (ربك عينه واسعة) (يفرجها ابو خيمة زرقة )(الناس لبعضيها) (ماحدش عاش لوحده)(ماحدش واخد منها حاجة) (المتغطى بيها عريان) وكثيرة كثيرة هى المقولات الشعبية المتداولة التى لم يبدعها واحد معين ولم يختص بها شاعر من الشعراء بعينه ، وهى من حق الشاعر الشعبى ان يستخدمها فى نصوصه الشعبية وهى تحسب لمهارة الشاعر الشعبى وليس ضده،
3- تناول نفس الفكرة بطريقة مغايرة :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق كبيرة بين سرقة الفكرة وتناولها بطريقة مغايرة ، فتكرار نفس التناول للفكرة يعتبر نوع من التأثر الشديد لشاعر آخر ولااريد ان اضعها تحت بند السرقة ، ولكن تناول نفس الفكرة بطريقة مغايرة وبمفردات مغايرة مسموح به فى الفن الشعبى ، فالفكرة كقطعة الماس تلمع من جميع نواحيها وليس بها جانب مظلم ، ولكن قد يكون هناك جانباً اكثر لمعاناً ووميضاً من الجانب الآخر ولكن هذا لايضير ان يتناول الشاعر نفس الفكر ليخدم هدف مختلف عن هدف ومراد الجانب الاخر من الفكرة الواحدة .
4- المفردات
ــــــــــــــــــــ
كلنا يعرف ان المفردات ليست حكراً على أحد ، ولكنها ملقاة على قارعة الطريقة وعلى الشاعر ان يلتقطها ، فمنا من يصنع بها عقدا برّاقاً جميلا ، ومنا من يصنع بها رصاصاً يقتل به الآخرين ، وكل على حسب اتجاهاته ومايجول فى نفسه من خير وشر ، يخرجها اللسان من خلال مفردات . والمفردات ملك للجميع ولكن تختلف باختلاف تناولها .
الممنوع فى كتابة الواو والموال:-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- السرقة التقليدية المعروفة وهى سرقة مربع لشاعر اخر كما هو منشور او مع تغيير مفردة او مفردتين كنوع من الهروب من السرقة الواضحة الجلية .
2- الصعود على أكتاف التراث :-
هناك الكثير من الشعراء ينهلون من التراث كما ينهلون ماء من ساقية قديمة مع ان نهر الافكار والمفردات يتجدد يوم بيوم ، فلاداعى من تكرار المكرر واعادة المعاد مع تشويه القديم والتجنى والتطفل على شاعر تراثى بذل جهدا فى صياغة مربعه او مواله ويأتى شاعر حديث ويتطفل عليه ويسرق مجهوده .
3- سرقة الصور الشعرية للآخرين :-
هناك الكثير من الصور الشعرية فى بعض المربعات وتكون خاصة بشاعر معين وتكون وغير متداولة ويأتى شاعر اخر ويضعها فى مربعه الخاص به مع انها صورة جديدة لشاعر لم يكتبها احد قبله وليست من المقولات الشعبية المتداولة .
4- هناك رأى خاص بى قد تختلفون فيه معى وهو ان هناك بعض الشعراء يتناولون مطلع لشاعر معروف ويسيرون على خطاه فى مربعاتهم ، فيصبح المبدع الوحيد هو الشاعر الاول صاحب المطلع ، أما الاخرون فيعدون مجرد مقلدون فقط ولايحسب لهم ماكتبوه على خطا المربع الاول من إبداعهم الخاص
5- سطحية الفكرة وعدم جديتها وقصر عمر الموال والذى يقع فيها الكثير من شعراءنا الرائعين دون قصد ، فيبذلون جهدا كبير فى معنى قليل ، ويسهرون ليل طويل لمضمون قصير .
أرجو ان اكون قد وفقت فى طرحى وان نسير على الدرب ونتجنب عثرات الطريق حتى يمكننا الابداع الحقيقى وحتى يكون لنا بصمتنا الخاصة بنا وصوتنا الخاص بنا ولانصبح مجرد مقلدين فى ساحة الابداع ...دمتم ودام عطركم أيها الكبار.
⇧