أ.د خالد عبد الحليم حفني يكتب في ذكرى وفاة والده المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الحليم حفني رحمه الله


هذه نبذة عن سيرة وبعض إنجازات والدي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
١- ولد في شهر أكتوبر عام ١٩٣٢ م بنجع عباس بالمساعيد الشرقية التابعة لقرية أولاد جبارة بالعسيرات التي أصبحت مركزا حديثا بمحافظة سوهاج ودخل مدرسة العجوبية الابتدائية ، وبدأ في حفظ القرآن الكريم في كتاب الشيخ أبو الوفا بنجع أبو زغيلة حيث أخوال والده رحمه الله ولرغبة والده الشيخ حفني رحمه الله في الحاقه بالأزهر أرسله إلي كتاب الشيخ إسماعيل حسب نصار بالرشايدة وحفظ القرآن الكريم كاملا فيه في عشرة أشهر وأكمل تعليمه الابتدائي الإلزامي وقتها وهو يساوي الإعدادي حاليا بمعهد قنا الأزهري ثم أكمل دراسته الثانوية بمعهد سوهاج الأزهري ومن الذين درسوا له الفقه فيه الشيخ سيد سابق رحمه الله ، مؤلف كتاب فقه السنة الواسع الشهرة ، ثم دخل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وتخرج منها عام ١٩٥٤ م ، ودرس في أثناء سنوات الدراسة بالكلية لمدة ٤ سنوات ، دراسة أخري مسائية لدراسة علم النفس والاجتماع والاقتصاد أنشأتها وزارة الشئون الاجتماعية وأخذ بها شهادة التدريب علي الدراسات الاجتماعية وبعد حصوله عليها مباشرة ألغت الشئون الاجتماعية هذه الدراسة ، وعين مدرسا بالأزهر بعد تخرجه مباشرة ببني مزار بمحافظة المنيا عام ١٩٦٠م ورقي حتي أصبح مفتشا علي المعاهد الأزهرية والكتاتيب في شمال الصعيد وحصل علي الماجستير عام ١٩٦٧ م ثم حصل علي العالمية (الدكتوراه) عام ١٩٧١ م ثم عين مدرسا بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة بقسم الأدب في بداية عام ١٩٧٤ م وتدرج فيها حتي أصبح أستاذا بالكلية وعين عميدا لكلية البنات الإسلامية بأسيوط حيث أفتتحت علي يديه عام ١٩٧٨ م. وسافر للعمل بالتدريس بالجزائر لتعريبها في بعثة علي نفقة جامعة الأزهر وكان يرأس البعثة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في الفترة ١٩٦٧-١٩٧١ م ، وسافر للعمل كأستاذ بالجامعة بالبحرين في الفترة ١٩٨١-١٩٨٥ م ثم سافر للعمل كأستاذ بكلية البنات الإسلامية بجدة بالسعودية في الفترة ١٩٨٩ - ١٩٩٩ م.
٢- ظهرت شخصيته القيادية وحبه لعمل الخير مبكرا جدا فعندما كان طالبا في المرحلة الثانوية ساءه منظر الرجال والنساء في قريته وهم يخوضون في بحر المياه الذي يحيط بالقرية لفترة طويلة أثناء فيضان النيل كل عام فقام بإقناع سكان قريته نجع عباس ومن بجوارها وهم اهل نجعي أبو رجل وأبو زغيلة بإنشاء جسر عالي لا تغطيه المياه يربط الثلاثة قري وأن يتبرع كل فرد بأجر يومية عامل أو يعمل بنفسه يوما وبالفعل تم إنشاء الجسر ثم تم رصفه بعد ذلك وأصبح هو المدخل الشرقي لنجع عباس وهو الذي يصل النجوع الثلاثة حتي الآن ، ثم في الثمانينات من القرن الماضي أقنع المزارعين بعمل طريق المدخل الغربي لقريته نجع عباس بعد أن كان بالكاد تمشي عليه بقدميك وتم عمله بعرض ٤ أمتار ثم وفقه الله تعالي إلي توسعته مرة أخري ورصفه في حوالي عام ٢٠٠٢م وأصبح هو المدخل الرئيسي لمنطقة المساعيد الشرقية كلها الآن والذي يربطها بطريق قرية الرشايدة والمتصل مباشرة بطريق القاهرة أسوان الزراعي.
٣- ألف عشرين مؤلفا أغلبها في مواضيع جديدة لم يسبقه أحد في كتابتها ونشر حوالي خمسة عشر كتابا منهم بالهيئة العامة للكتاب ، والعديد منها موجود بمعظم مكتبات الدول العربية الشقيقة وأخذ الجائزة الأولي علي مستوي مصر في كتابين منهم والأولي علي مستوي مصر وسوريا أيام الوحدة بينهما في كتاب ثالث. ولقد ظهر نبوغه في الكتابة مبكرا وهو طالب بالكلية في السنة الثالثة حيث كتب كتيب لامنس والأمانة العلمية حول الخلافة الإسلامية وأبلغه أحد الأساتذة بقسم التاريخ بالكلية وقتها أن كل أساتذة القسم قرؤوا هذا الكتاب وأعطوه ٢٠/١٩ من الدرجات وعندما أعلنت وزارة الشئون الاجتماعية المصرية ، قبيل امتحان السنة الرابعة بالكلية بأربعين يوما ، عن مسابقة لأفضل بحث عن عدة مواضيع فاختار منها موضوع بركان الدماء والثأر بين الشريعة والقانون الوضعي وفاز بالجائزة الأولي علي مستوي مصر ، ثم بعد تخرجه مباشرة واستلامه العمل مدرسا بالأزهر ببني مزار بالمنيا عام ١٩٦٠م فاز كتاب المراثي الشعبية بالجائزة الأولي للمجلس الأعلي للفنون والآداب علي مستوي مصر وسوريا أيام الوحدة بينهما ، وكتيب أسلوب القرآن في كشف النفاق فاز بالجائزة الأولي للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية علي مستوي مصر في عام ١٩٦٥ م ، ثم كتب كتيب محمد (صلي الله عليه وسلم ) القدوة العظمي عام ١٩٦٦ م ، ومن أروع ما كتب مجموعة كتب اسلامية وهي أسلوب السخرية في القرآن الكريم وهي كانت رسالة الدكتوراة ، وأسلوب المحاورة في القرآن الكريم وأسلوب الوعيد في القرآن الكريم والتصوير الساخر في القرآن الكريم وإنصاف الخصم في القرآن الكريم وجوهر الإسلام وكتيب محمد (صلي الله عليه وسلم) القدوة العظمي ووضع خلاصة آراؤه وأفكاره لحل المشاكل الاجتماعية من منظور إسلامي علي هيئة نقاش وحوار بين شيخ مخضرم وشاب متمرد علي كل ما هو قديم في كتابه (بين الدين والحياة في رحلة قطار) ، بالإضافة الي مجموعة كتب أدبية نادرة مثل الأدب القديم ، شاعر الصعاليك ، شعر الصعاليك للشنفري ، لامية العرب ، ومن آخر كتبه مطلع القصيدة العربية ودلالتها النفسية وتناول فيه لأول مرة تفسير لدلالات وأهداف مطالع قصائد ومعلقات الشعراء العرب الفطاحل.
٤- كان أول عميد لكلية البنات الإسلامية بأسيوط بعد افتتاحها عام ١٩٧٨ م وبذل مجهودات كبيرة حتي أنشأ لهم مدينة جامعية في خلال أشهر معدودة وفرض لأول مرة في تاريخ مصر الحديث الحجاب وجعله زيا موحدا للطالبات بالكلية وهو عبارة عن عباءة فضفاضة خضراء وحجاب أبيض وعاني في سبيل ذلك أشد المعاناة وقتها فلم يكن الحجاب منتشرا علي نطاق واسع بمصر كما هو الآن وكانت الفكرة غريبة علي الكثيرين ممن هم حوله ولإصراره عل تطبيقه وإبراء لذمته أمام الله لعلمه بفرضيته وخصوصا لطالبات الأزهر كان يذهب بنفسه ويأخذني معه لشراء القماش من شارع الأزهر وخصص ترزية خاصة بالكلية لتفصله بالمواصفات الشرعية ، هذا بالاضافة أنه ألزم جميع الموظفات والعاملين بالكلية بارتداء الحجاب ، حتي ذكرت ذلك العمل وأشادت به احدي الصحف الخليجية.
٥- أفني عمره في العمل علي نشر المعاهد الأزهرية في كل مكان حل به وتكبد مشقة هائلة ابتداء من إقناع المتبرعين بالتبرع بالأرض الي انهاء اجراءات الموافقة من الزراعة والري والصرف وأملاك الدولة والمجلس المحلي القروي ومجلس المدينة ومجلس المحافظة والمحافظ وادارات الأزهر المختلفة من ادارة هندسية وبحوث فنية وشئون قانونية ثم شيخ الأزهر ، ومن هذه المعاهد ، معهد بندار الغربية ومعظم المعاهد الأزهرية بمركز العسيرات مثل المعهد الأزهري بجزيرة أولاد حمزة ومعهد أولاد بهيج الأزهري ومعهد المساعيد الغربية ومعهد أولاد حمزة ومجمع معاهد الدكتور عبد الحليم حفني بنجع عباس المبني علي مساحة حوالي فدانين تبرعت به عائلته آل بكري وهي ثلاثة معاهد ضخمة ، إبتدائي ، وإعدادي وثانوي بنين ، وإعدادي وثانوي بنات وآخرهم معهد أولاد جبارة الابتدائي والذي افتتح بعد وفاته رحمه الله بعدة أشهر وكلهم بمحافظة سوهاج والمعهد الأزهري الاعدادي الثانوي بنين بمركز بني مزار بمحافظة المنيا حيث عمل هناك لمدة ٢٠ عاما مدرسا ثم مفتشا بالأزهر ، والمعهد الإعدادي الثانوي بنين بقرية حلوة بمركز مطاي بمحافظة المنيا حيث أصهاره هناك ومعهدي المدينة المنورة العادي الابتدائي الأزهري وملحق معهد الهرم الإعدادي للفتيات بالجيزة حيث انتهي به محل اقامته هناك ، ومن دلالات اخلاصه لله ونظرته العادلة وترفع نفسه عن أي أهواء أو مطالب دنيوية أن قريته نجع عباس كانت من أواخر المناطق التي أنشأ بها مجمع المعاهد الأزهرية والتي أصر مسئولوا الأزهر ومنهم الأستاذ محمود حجازي مدير البحوث الفنية وقتها وفضيلة شيخ الأزهر الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله علي تسميته باسم والدي تقديرا له حيث كان والدي وقتها معارا للعمل بالسعودية وطلبوا مني أنا إبلاغ والدي بقرار فضيلة شيخ الأزهر وبأنه لا رجعة عن القرار رغم أني أبلغتهم بمعارضة والدي لذلك القرار وقتها.
٦- أنشأ جمعية الدكتور عبد الحليم حفني الخيرية بنجع عباس لمساعدة الفقراء وكانت معظم مواردها منه هو شخصيا وألزم المشرفين علي الجمعية بإبلاغ الجميع بأن كل ما يصرف من الجمعية سواء نقدا أو بصورة عينية هو من الحكومة حتي لا يجرح شعور أحد وظل اعتقاد الناس كذلك حتي توفاه الله تعالي ولم ينتبه البعض لذلك إلا بعد وفاته عندما انقطعت موارد الجمعية ، هذا بالاضافة للمساعدات المباشرة للفقراء والتي كان يحرص أشد الحرص علي إخفائها ولا يعلم أغلبها إلا الله حيث كان يكلف غيره بإعطائها لمستحقيها.
٧- إنشاء مكتب بريد نجع عباس والذي جنب كبار السن وأرباب المعاشات من الرجال والنساء مشقة وعناء الذهاب الي قرية أولاد جبارة (القرية الأم وتبعد حوالي كيلومترين عن نجع عباس وما حوله) كل شهر وحفظ كرامتهم وخصوصا النساء منهم من الاختلاط والتعامل مع من لا يعرفهم.
٨- عندما صدر قانون الأحوال الشخصية أيام الرئيس السادات وكان فيه مخالفات لصحيح الشريعة الإسلامية بادر بإرسال مذكرة من عدة صفحات إلي الرئيس السادات رحمه الله لشرح وتفنيد المخالفات الشرعية لبعض بنوده لإبراء ذمته أمام الله دونما ضوضاء ولا تشهير وهو القانون الذي ألغي بعد سنوات معدودة من إصداره.
٩- في أثناء فترة عمله في مركز بني مزار بمحافظة المنيا حيث عين فيها مدرسا بالمعهد الابتدائي الأزهري بها بعد تخرجه مباشرة من الكلية ثم رقي الي مفتشا علي المعاهد الأزهرية وكتاتيب تحفيظ القرآن بشمال الصعيد ، كان يرأس مجموعة الشيوخ والعلماء بمركز بني مزار بمحافظة المنيا وكان له نشاط دعوي كبير بالقاء الخطب في المساجد وبعقد الندوات والمحاضرات وكان حلقة الوصل بين العلماء والأزهر ومنها أنه هو الذي رتب للقاء واستقبال فضيلة شيخ الأزهر الورع التقي الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله عندما قرر أن يزور مقابر البهنسة ببني مزار حيث مدفون بها أكبر عدد من صحابة جيش عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين حيث استشهدوا ودفنوا هناك أثناء مطاردة جيش الروم ، فأبي والدي رحمه الله أن تكون تلك الزيارة في صمت وأقنع رئيس مجلس المدينة والقيادات الأمنية بترتيب احتفال كبير بمركز بني مزار يليق بقيمة شيخ الأزهر وأدار والدي هذا الاحتفال بجدارة وأعطي شيخ الأزهر رحمه الله حقه أمام الجميع.
١٠- كان من أهم اعضاء لجنة الصلح بالعسيرات مع العمدة عطا عيسي نصار عمدة الرشايدة والشيخ السيد أبو أحمد من نجع أبو رجل رحمهم الله جميعا وأعضاء مجلس الشعب وقتها والعديد من الرجال الثقات معهم ووفقهم الله تعالي إلي حل أعتي المشاكل في العسيرات.
١١- ورغم كل تلك الأعمال والانجازات الخيرية فإن والدي رحمه الله يقول إن أرجي ما يتمني أن يقابل ربه به أنه عندما رقي للعمل مفتشا علي المعاهد الأزهرية وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم بشمال الصعيد أثناء عمله بمركز بني مزار ، وفقه الله تعالي إلي منع إغلاق معظم الكتاتيب والتي ندر فيها عدد الطلاب وذلك أثناء فترة الستينات وذلك بأن قام بتشجيع كل المحفظين بها بتقرير مكافأة شهرية تصرف لهم من الأزهر قيمتها عشرة جنيهات وكانت وقتها مبلغا كبيرا يكفي لإعالة أسرة كاملة بأريحية وخصوصا في القري ، وكان يتنقل بين القري مشيا علي قدميه لعدة كيلومترات ، لعدم وجود مواصلات وقتها ولبعد المسافات بين القري في محافظات المنيا وبني سويف ، حاملا حقيبة في يده بها أوراقه وبها بضع تمرات يأكلها أثناء التنقل ليقسم لكل من يحاول أن يضيفه من المحفظين أو أهل القرية أنه قد تناول غذاءه لعفته الشديدة ولعلمه بضيق ذات يد معظم الناس وقتها.
١٢- وعلي المستوي الشخصي كان شديد البر بوالديه كما تقرأ ذلك جليا وهو يسرد سيرته وعلاقته مع والديه وكما سجل أحداثها في كتاب دون فيه سيرته وكان هو قرة عينهما ولعل هذا هو سر توفيق الله له في كل خطواته ، ومن شواهد إخلاصه لله تعالي في حياته أنه رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم برؤي خير ورأي كثيرا من الرؤي حيث وهبه الله تعالي ملكة تفسيرها وكانت تتحقق كفلق الصبح كما يفسرها ، ورأي الرسول صلي الله الله عليه وسلم عدة مرات في رؤي مبشرة ، كما أن أحد أقرب أصدقائه رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبل والدي في جبينه ووجهه ٧ أو ٨ قبلات ، فما أعظمها من رؤي وبشري باذن الله تعالي ، ومن شواهد حسن ختامه رحمه الله ، ولا نزكي علي الله أحدا أنه قرر أن يسافر إلي قريته نجع عباس قبيل وفاته رغم مرض طارئ ألم به وفي يوم وفاته قرر علي غير عادته تقديم ذبح أضحية عيد الأضحي الي اليوم الأول وهو ١٠ ذي الحجة بدلا من اليوم الثاني كما اعتاد لسنوات وأوصي بإنفاق ١٠ آلاف جنيه صدقة وقابل في دوار العائلة كل أحبائه وأقربائه يوم العيد ، وبعد جلوسه مع بعض أقربائه في بيته ليلا وبعد أن انتصف الليل أصيب بنوبة قلبية مفاجئة وفاضت روحه الطيبة قبيل فجر يوم ١١ من ذي الحجة عام ١٤٣١ هجرية الموافق ١٨- ١١ - ٢٠١٠ م وأذاع المجلس المحلي لمدن جرجا والمنشاة والعسيرات خبر وفاته وهرع إلي جنازته كل من أحبوه وعرفوه وكل من سمع عن وفاته سواء من داخل محافظة سوهاج أومن خارجها وذرفت عيون الرجال المخلصين الأوفياء الدموع قبل النساء ، وبادلوه الحب بحب ، والوفاء بوفاء ، جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء وجمعنا مع كل من أحبه وذكره بخير في الفردوس الأعلي.
وهذه بعض صوره الشخصية في مراحل مختلفة من عمره وصفحتان من كتاب سيرته الشخصية يقص فيهما بعض الرؤي التي رأي فيها الرسول صلي الله عليه وسلم
⇧